[b]كيف يُختار هذا الرئيس؟!
لقد ابتكر الخوميني
مجلسًا سماه "مجلس صيانة الدستور"، هو المكلَّف باختيار من يمكن أن
يُرشَّح للرئاسة، وهذا المجلس مكوَّن من اثني عشر عضوًا، يعيِّن مرشد
الثورة ستة منهم بشكل مباشر! أما الستة الآخرون فيرشحهم رئيس السلطة
القضائية بعد ترشيح مجلس النواب، مع العلم أن رئيس السلطة القضائية نفسه
يُعيَّن من قِبل مرشد الثورة، وهذا يعني أن أعضاء مجلس صيانة الدستور
بكاملهم من الذين يختارهم مرشد الثورة أو يرضى عنهم، وهذا المجلس يقوم
بقبول ترشيحات المتقدمين لشغل منصب رئيس الجمهورية.
ومن ثَمَّ فهو لا يقبل
من المتقدمين إلا من هو على علاقة قوية جدًّا وحميمة بمرشد الثورة!! فليس
هناك أي فرصة لوجود معارض لمرشد الثورة، وما يسمَّى بالمحافظين أو
الإصلاحيين ما هي إلا صورة وهمية لبعض الاختلافات الطفيفة في الإطار الذي
يسمح به مرشد الثورة، ويكفي أن نعلم أنه في الانتخابات الأخيرة تقدم لمنصب
الرئاسة 471 مرشحًا، لم يقبل مجلس صيانة الدستور منهم إلا أربعة فقط؛ اثنين من المحافظين واثنين من الإصلاحيين، والجميع من أبناء النظام، وأتباع مرشد الثورة..
فأحمدي نجاد مقرَّب
جدًّا من مرشد الثورة علي خامنئي، وهو من أشد المتمسكين بمبدأ ولاية
الفقيه، وهو يعتبر من المحافظين. أما المنافس الأكبر له فكان مير حسين
موسوي، وهو من الإصلاحيين، لكنه في نفس الوقت من أبناء الثورة، ورحل معها
من باريس إلى طهران، وكان يشغل منصب رئيس الوزراء في عهد الخوميني من سنة
1981 إلى سنة 1989م، وهو آخر رئيس وزراء لإيران قبل إلغاء هذا المنصب
أصلاً! والمرشح الثالث هو مهدي كروبي من الإصلاحيين، وكان يرأس البرلمان
الإيراني من سنة 1989 إلى سنة 1992م. والرابع هو محسن رضائي من المحافظين،
وكان يشغل مركز قائد الحرس الثوري في أثناء الحرب الإيرانية العراقية!!
إنهم جميعًا من أبناء النظام، ومن المؤيدين بقوة لكل كلمة يقولها المرشد القائد.
وقد يحدث أحيانًا
وينسى رئيس الجمهورية المنتخَب من الشعب نفسه، ويأخذ قرارًا يخالف رأي
مرشد الثورة، فماذا يحدث عندئذ؟! لا داعي للتكهنات، فقد رأينا واقعًا يوضح
لنا الصورة؛ فعلى سبيل المثال تم انتخاب بني صدر ليكون أول رئيس لجمهورية
إيران أيام الخوميني سنة 1980م، وظن "بني صدر" أنه أصبح رئيسًا ككل رؤساء
العالم يمسك بمقاليد الأمور في دولته، خاصة أنه قد أتى إلى كرسيِّ الحكم
بنسبة 75% من أصوات الشعب، وهي نسبة كبيرة كما نعلم، إلا أنه وجد نفسه لا
حول له ولا قوة، ولا يملك أن يكلف رئيس وزراء لحكومته، بل لا يستطيع
المشاركة في اختيار الوزراء، وكل صغيرة وكبيرة لا بد من الرجوع فيها إلى
الخوميني القائد، فلم يطمئن لهذا الوضع واعترض! فماذا كانت النتيجة؟!
لقد عزله الخوميني من منصبه وعيَّن رئيسًا آخر!!
عزله بعد أن حصل على 75
% من أصوات الشعب، فأي قيمة إذن للانتخابات؟ ولماذا تنفق الأموال في
الدعايات؟ ولماذا تعقد المناظرات في وسائل الإعلام؟
وعندما أجاز الرئيس علي
خامنئي - الذي كان رئيسًا لإيران من سنة 1981 إلى سنة 1989م - قانونَ
العمل بعد أن عارضه مجلس صيانة الدستور بتوجيه من الخوميني، وجَّه
الخوميني رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس علي خامنئي، وذكَّره في هذه
الرسالة أن ولاية الفقيه كولاية الرسول ؛ لأنه معيَّن من قِبل الإمام
الغائب، ورضخ الرئيس علي خامنئي للأمر، مع أن علي خامنئي سيصبح بعد وفاة
الخوميني هو المرشد للثورة، وتنتقل العصمة إليه بذلك، وعندها لن يُقبل أي
تعقيب لحكمه!
ثم إننا رأينا الإصلاحيين في منصب رئيس الجمهورية، فقد حكم محمد خاتمي من سنة 1997م إلى سنة 2005م، فهل رأينا جديدًا؟!
وهل إيران تحت حكم الإصلاحيين تختلف عنها تحت حكم المحافظين؟ أم أن الأمر في النهاية في يد شخص واحد هو القائد المرشد؟!
ثم إننا نقول أيضًا أن
الإصلاحيين والمحافظين لا يمثلون أحزابًا منفصلة في إيران، وليست هناك
مؤسسات تضمن توجُّه رئيس معين؛ فأحمدي نجاد لا يمثل إلا نفسه في
الانتخابات، وكذلك مير حسين موسوي الإصلاحي، وليس الأمر كما هو في أمريكا
مثلاً، عندما يمثل أوباما برنامج الديمقراطيين، في حين يمثل ماكين برنامج
الجمهوريين.. إن الأمر أبسط من ذلك بكثير في إيران؛ لأنه مجرد تمثيلية لا
وزن لها.
وحتى عندما قامت
الصراعات بين المرشحين في شوارع إيران، وتبادلوا الاتهامات في وسائل
الإعلام، فإن القيادة الدينية سكتت عن ذلك، وكان هذا السكوت متعمدًا، وقد
علَّق على ذلك الخاسر مير حسين موسوي بقوله: "كل السبل للحصول على الحقوق
مغلقة، وإن الشعب الإيراني يواجه صمت رجال الدين المهمين"[3].
وأضاف أيضًا أن هذا الصمت أخطر من التزوير.
[/b]